[center]صفة شخصية طبيعية عند 15% من الأطفال
الخجل والانطواء.. متى تكون المشكلة وما الحل؟
الطفولة مرحلة مهمة لا يختلف عليها اثنان في بناء شخصية الإنسان عندما يكبر، وأي خلل في تربية الطفل سيؤدي إلى نتائج غير مرضية، تنعكس سلبا على الفرد والمجتمع معا. الخجل والانطواء مشكلتان يعانيهما بعض الأطفال، هؤلاء الأطفال يترعرعون منطوين على أنفسهم، خجولين يعتمدون اعتمادا كاملا على والديهم، ويلتصقون بهم، لا يعرفون كيف يواجهون الحياة منفردين، ويظهر ذلك بوضوح عند بداية احتكاكهم بالعالم الخارجي في المدرسة والنادي والشارع وغيرها. ما حكاية الخجل والانطواء عند الصغار وكيف السبيل لمواجهتهما؟.الخجل والانطواء.. متى تكون المشكلة وما الحل؟
أخصائيو علم النفس التربوي يقولون إن الطفل الخجول لديه حالة عاطفية انفعالية معقدة تنطوي على الشعور بالنقص، وهو طفل متردد في قراراته منعزل، وسلوكه يتسم بالجمود والخمول، وينمو محدود الخبرة لا يستطيع التكيف، الوراثة أحد الأسباب الرئيسية لولادة الطفل خجولا.. ومن الأسباب الرئيسية أيضا مع الآخرين: معاناة الطفل من الحرمان من الاحتياجات الأساسية كالمأكل والمشرب، مكان النوم الملائم "المسكن"، سوء التغذية وسوء الرعاية الصحية والطبية، الحرمان العاطفي كغياب الحنان والدفء والتعامل الرحيم مع الطفل، ووضعه في أولوياتنا كأم تتكلم في الهاتف وتطعم ابنها بالقنينة من بعيد.
من الضروري التواصل مع الطفل وإشعاره بالارتباط النفسي والمعنوي، خاصة في حالة إعطائه وجبة غذائية أو تبديل ملابسه، فالطفل لديه القدرة على تخزين هذه الأشياء وعكسها أو إخراجها في المرحلة التي يكون قادرا فيها على التعبير نطقاً عن نفسه. الحرمان التربوي ويقصد به هنا ضرورة توفير الجو المناسب وما يلزم لتنمية الطفل فكريا وعقليا كالألعاب، وضرورة تواجد الوالدين فترة معينة خلال اليوم مع الطفل لإكسابه معايير تربوية جديدة. مخاوف الأم الزائدة في حماية أطفالها، هذه المخاوف تساعد في نمو صفة الخجل في نفسية أبنائها، حيث ينشأ الأبناء ولديهم خوف من كل ما يحيط بهم سواء في الشارع أو مع الأقران، ويتولد لديهم شعور أن المكان الآمن الوحيد لهم هو وجودهم بجوار الأم.
عيوب الطفل الجسمية أو المادية كقصر القامة أو هزال الجسد أو ضعف السمع أو السمنة المفرطة، أو قلة المصروف كلها أمور تؤدي إلى إصابة الصغار بالخجل في مواجهة الآخرين. التدليل المفرط للطفل من والديه، كعدم سماح الأم لطفلها بأن يقوم بالأعمال التي أصبح قادرا عليها اعتقادا منها أن هذه المعاملة تدل على الشفقة والرحمة بالطفل، وعدم محاسبتها له حينما يفسد شيئاً في المنزل. هذه المعاملة المتميزة والدلال المفرط للطفل من جانب والديه بالطبع لن يجدهما خارج المنزل، سواء في الشارع أو الحي أو النادي أو المدرسة، وغالبا ما يؤدي ذلك إلى شعور الطفل بالخجل الشديد، خاصة إذا قوبلت رغبته بالصد وإذا عوقب على تصرفاته بالتأنيب والعقاب والتوبيخ. الأطفال الذين يتعرضون لحالات العنف الجسدي والنفسي والإهمال أكثر فئة تعاني الانطواء والخجل.
الخجل الطبيعي خلال الزيارات العائلية عندما ينخرط الأطفال في اللعب والمرح في ما بينهم تجد إحدى الأمهات طفلها قد تشبَّث بها، ورفض أن يلعب مع أقرانه، وقد يبادر إلى الصراخ إذا ما حثته على الاندماج مع أصحابه الذين يملأون البيت ضجيجاً وحيوية. إنه طفل خجول، لكنَّ كثيراً من الأمهات يحملن الأمور أكثر مما تستحق ويعتبرن الأمر مشكلة وهو غير ذلك.. بعد سن الرابعة ينطلق بعض الأطفال في تكوين صداقات، وبعضهم الآخر يتعثر في ذلك ويستغرق وقتاً لكي يندمج مع من حوله. كلا النوعين من الأطفال طبيعي، والمهم أن تتقبل الأم ذلك، وألا تظهر قلقها أمام طفلها الخجول أو تشكو إلى جارتها أو صديقتها الأمر، فإن فعلت ذلك فإن ما تقوله سيشكل وجهة نظر الطفل عن نفسه. يقول علماء النفس:" الخجل صفة شخصية طبيعية تظهر في نحو 15% من الأطفال، وكثيراً ما يلاحظ الخجل عند البدء في المشي".
من صفات الطفل الخجول
النظر إلى أسفل عندما يتحدَّث إليه الكبار، مراقبة الأطفال عن بعد وعدم الاختلاط بهم، وهو يفضل أن يزوره الآخرون بدلاً من مواجهة بيئة جديدة. رغم ذلك، قد يختبئ الطفل الخجول عندما يأتي زائرون إلى منزله وقد يبكي، وفي الأماكن غير المألوفة قد يلتصق بوالديه معظم الوقت، إضافة إلى ذلك فإنَّه يتقبَّل الأشياء بصعوبة.. مثل طعام جديد أو طريق جديد إلى مدرسته.
الخجل صفة وليس عيباً، فالطفل لا يختار أن يكون خجولاً، وليست له سيطرة على هذه الصفة، وقد يمارس الوالدان ضغوطاً على هذا الطفل لأنهما يعتبران الخجل عائقاً، فيكون رد فعلهما الصراخ في وجهه أو مضايقته أو دفعه إلى خوض المواقف الاجتماعية، وهذا ما يشعر الطفل أن والديه خاب أملهما فيه أو أصابهما الغضب ما يفقده ثقتَه بنفسه. بمساعدة الوالدين يستطيع الطفل الخجول أن يصبح اجتماعياً، فهو في أمَسِّ الحاجة إلى المساندة في المواقف الاجتماعية، فالناس والمواقف الجديدة يشكلان مصادر ضغط قوية.
على الوالدين أن يأخذا في اعتبارهما ضرورة المكوث معه في اللقاءات الأولى القليلة لمجموعة اللعب الجديدة عليه، ويمكن تخفيف أثر التكيف مع الحضانة، وإذا تمكن الطفل من مقابلة طفل أو طفلين من زملاء الفصل مسبقاً فإن رؤية وجوه مألوفة في أول يوم قد تحمي الطفل من الارتباك. أيضاً الحضور مبكِّراً إلى الأماكن الجديدة يخفف تلك الصفة قليلاً، كأن يحضر إلى ناديه الرياضي الذي يمارس فيه لعبته المفضلة قبل بدء التمارين، وذلك لتبديد الشعور بالغربة في المكان، وحضورهما كذلك مبارياته، لإعطائه شعوراً بأنَّهما معه، إضافة إلى مناقشته بشأن المباريات التي شارك فيها، وعن مقترحاته للمباريات القادمة. ويستطيع الوالدان مساعدة طفلهما الخجول بالتفهم والمساندة والتعاطف، وذلك من خلال إبراز مزاياه واستغلالها، فإن امتلاك خبرة في أحد المجالات يمكِّن الطفل من التصرف بثقة ولو في ميدان واحد على الأقل.
والطفل يسعده الحديث مع قرنائه عن أمر يعرفه جيداً، وبمجرد أن يقيم علاقة أولية مع الأطفال الآخرين لا تلبث العلاقات أن تزدهر. وقد يمثل له الأطفال الذين يصغرونه في البداية رفقاء لعب أفضل وأقلَّ تحدياً. كذلك يمكن خلق نوع من الاهتمام بهذا الطفل، فإحضار كعكة عند زيارة الأقارب والأصدقاء سيولد شعوراً إيجابياً، وغير ذلك من الأساليب الكفيلة بعبور تلك اللحظات القليلة الأولى المحرجة، ثم يجد الطفل نفسه يتفاعل مع مَن حوله قبل أن يتيح له الوقتُ الانتقالَ إلى الخجل.
الجانب الإيجابي عند بلوغ الطفل الخجول مرحلة النضج، سيكون أكثرَ ميلاً إلى التفكير العميق، ويصبح مدققاً في اختياراته قبل أن يتخذ أي إجراء. والطفل الخجول مراقب جيِّد للناس والأحوال، وكثير من الأطفال الخجولين يمتلكون القدرة على فهم مشاعر الآخرين. وأخيراً، فإن التنوع هو الذي يُضفي على الحياة متعتها، فليس كل شخص يستطيع أن يحيا حياته في مرح صاخب، فللأطفال الهادئين شديدي الملاحظة أدوار مهمة عليهم تأديتها ليكملوا صفوف الصحافيين والعلماء والكتاب في هذه الدنيا.
حلول يسيرة من المزعج أن يكون طفلك متشبثاً بقدميك في أثناء تجمع عائلي أو في إحدى الحفلات، بينما الأطفال الآخرون يلعبون ويمرحون، ولكن إذا أخذت الأمر بيُسر فسيتخطَّى طفلك هذه المرحلة بأمان، وسيسهل عليه التواصل مع الآخرين والاندماج معهم، خبراء علم النفس التربوي ينصحون بما يلي: تقبَّل المرحلة التي يمر بها الطفل حتى يتقبَّلها هو أيضاً، ومنحه الحب ليشعر بالأمان وبأنه ذو قيمة ويسهل عليه التواصل مع الآخرين.
عدم إجبار الطفل على الحديث مع الآخرين أو الاندماج معهم إن كان لا يرغب في ذلك، امنحيه وقتاً حتى يرتاح إليهم. توفير فرص كثيرة له ليكون مع أطفال آخرين، وخصوصا المتصفين بالهدوء والمسالمة. تنظيم مواعيد للعب في منزله إن كان المنزل المكان الذي يشعر فيه بالراحة. إلحاقه بروضة للأطفال أو نادٍ، بغرض تطوير مهاراته الاجتماعية. إعداده دائماً للمواقف الجديدة قبل حدوثها، كأن تخبره الأم عمَّن سيكون حاضراً، وماذا سيحدث، ومساعدته على التركيز على الجانب الإيجابي للموقف، وناقشي معه ما يريد فعله عندما يصل الضَّيف.
ربما يحتاج إليك طفلك لتعرضي له نموذجاً لطريقة بدء المحادثة، فعندما يتجه طفل نحو صغيرك يمكنك أن تقولي له: أهلا بك ومرحباً، ما اسمك؟ ومع مرور الوقت سيخزن طفلك اتجاهاتك هذه وينجح في التواصل مع الآخرين من تلقاء نفسه.
نصائح مهمة ضرورية أيضاً يمكننا أن نقي أطفالنا من مشاعر الخجل والانطواء على الذات من خلال:
توفير جو هادئ في المنزل بعيدا عن التوتر وعدم تعريضهم للمواقف التي تؤثر في نفوسهم، وتشعرهم بالقلق والخوف وعدم الاطمئنان. ويتحقق ذلك بتجنب القسوة في معاملاتهم، وبتجنب المشاحنات والمشاجرات التي تتم بين الوالدين.
يتحتم على الآباء أن يوفروا لأولادهم الصغار قدرا معقولا من الحب والعطف والحنان، وعدم نقدهم وتعريضهم للإهانة أو التحقير من شأنهم، وخصوصا أمام أصدقائهم أو أقرانهم، لأن النقد الشديد والإهانة أو التحقير - خصوصا أمام أصدقائهم وأقرانهم - يشعر الأطفال بأنهم غير مرغوب فيهم، ويزيد من خجلهم وانطوائهم. ابتعاد الآباء عن إظهار قلقهم الزائد على أبنائهم، وإتاحة الفرصة أمامهم للاعتماد على أنفسهم، ومواجهة بعض المواقف التي قد تؤذيهم بهدوء وثقة، فكل إنسان -كما يؤكد علماء النفس- لديه غريزة طبيعية يولد بها تدفعه للمحافظة على نفسه وتجنب المخاطر، وبالتالي فهو يستطيع أن يحافظ على نفسه أمام الخطر الذي قد يواجهه بغريزته الطبيعية.
تعويد الطفل على الحياة الاجتماعية سواء باستضافة الأقارب في المنزل، أو إشراكه في ألعاب جماعية.أو مصاحبتهم لآبائهم وأمهاتهم في زيارة الأصدقاء والأقارب، أو الطلب منهم برفق أن يتحدثوا أمام غيرهم، سواء كان المتحدث إليهم كبيرا أم صغيرا، وهذا التعويد يضعف في نفوسهم ظاهرة الخجل ويكسبهم الثقة بأنفسهم.
نصائح خاصة للأم
- امتدحي كل إيجابياته الاجتماعية كمساعدته لأحد أخوته، أو اللعب معهم، أو حين يبدأ في الحديث مع الآخرين.
- حاولي أن تدرِّبيه كيف يثق بنفسه من خلال التحدث عنه أمام الآخرين بفخر واعتزاز، واتركيه يتصرف في شؤونه بطريقته من دون أن تُمْلي عليه ما يجب أن يفعل.
- لا تتدخلي لتدافعي عنه في المواقف الخلافية بينه وبين أخوته، بل دعيه يتصرف من تلقاء نفسه، حتى لو تعرَّض إلى الضرب، والحالة الوحيدة التي يمكنك التدخل فيها إذا كان هناك خطر ما يتعرَّض له أحد المتشاجرين.
- شجِّعيه على ممارسة أي نوع من أنواع الرياضة، فهذا يمنحه لياقة بدنية، فيزداد ثقة بنفسه.
- شجِّعيه في بعض الأحيان على اللعب مع بعض أقاربه أو جيرانه أو زملائه بالمدرسة الأصغر سنًّا (أصغر بسنة أو سنتين فقط بحد أقصى)، حتى يتعلم القيادية لا التبعية.
- حاولي أن تمثلي مع أولادك لعبة الضيوف، كلٌّ له دور، ومن خلال هذه اللعبة يمكنك أن تعلِّمي ابنك كيف يحسن التصرف سواء كان ضيفًا أو مضيفًا. وأخيراً وليس آخراً عليك أن تتركي للطفل الحرية في اختيار أصدقائه وطريقة لبسه حتى في حالة عدم موافقتك على هذه الطريقة.
الخجل غير العادي عند الأطفال متعلق بالدماغ،حيث قدمت دراسة علمية حديثة أقوى الأدلة حتى الآن على أن الخجل غير العادي لدى الأطفال يمكن أن يحدث بسبب تغيرات في أدمغتهم، فقد استخدم باحثون في كلية الطب بجامعة هارفارد التصوير بالرنين المغناطيسي لفحص عدد من البالغين الذين كانوا معروفين بالخجل أثناء طفولتهم، وحين تم عرض صور لوجوه غير مألوفة على هؤلاء الأشخاص، ظهر نشاط في لوزة المخيخ لديهم أكبر بكثير من نظرائهم الذين كانت طفولتهم تتميز بالنشاطات الاجتماعية، وتتمثل وظيفة لوزة المخيخ.
في اليقظة والخوف. في السابق كان يعتقد أن الخجل الشديد الذي يظهر أثناء الطفولة، ويستمر في كثير من الأحيان أثناء البلوغ يعود لأسباب تتعلق بتطور الدماغ، ولكن هذه الفكرة لم تتعرض للدراسة والبحث لأنه كان من الصعوبة بمكان إجراء تصوير لدماغ الأطفال الصغار. كما أكدت دراسة إيطالية حديثة أن الأطفال الخجولين يعانون قصورا في الاستجابة لمشاعر الفرح أو الغضب على وجوه الآخرين، في إشارة إلى كبت قد يقود لاحقاً لتوترات في حياتهم.
وأشارت الدراسة إلى أن تلك المعلومات الغائبة حول المشاعر قد تقود إلى معدلات أعلى من التوتر والمخاوف الاجتماعية، والتي يعانيها الأطفال الخجولون في أوقات لاحقة من حياتهم، إذ يخطئ الأطفال في فهم مظاهر الفرح والغضب أو المشاعر المحايدة في صور لوجوه عرضت عليهم، حيث أظهر الرصد الكهربائي للمخ نشاطاً أبطأ في مناطق عادة ما تتعلق برد الفعل لمشاعر الآخرين، كما أظهر أن وجود الجين الذي يثبط من هرمون "سيروتونين" مرتبط كذلك بضعف رد الفعل.